الذكاء الاصطناعي في خدمة ضيوف الرحمن

قبل كل شيء لابد أن نلقي الضوء، على ما تتمتع به المملكة العربية السعودية، من بنية تحتية رقمية قوية ساهمت في تسريع عملية التحول الرقمي فيها، وقد عملت هذه البنية على تمكين المملكة لمواجهة الأزمات المُعطلة لكافّة الخدمات في القطاعين العام والخاص، كما ساهمت في استمرارية الأعمال والعمليات التعليمية وكافّة متطلبات الحياة اليومية للمواطن والمقيم في ظل جائحة كورونا (كوفيد-19). وقد صُنفِت المملكة ضمن أفضل 10 دول متقدمة في العالم لما تمتلكه من متانة في البنية التحتية الرقمية.

قامت المملكة بتحسين جودة الخدمات الرقمية المقدمة للمستفيدين من خلال الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير تغطية شبكة الألياف الضوئية لأكثر من 3.5 مليون منزل في جميع أنحاء المملكة، وزادت حركة الإنترنت خلال الجائحة بنسبة 30%، وضاعفت حركة الإنترنت من خلال عبر مقسم الإنترنت الوطني، وكذلك زادت سرعة الإنترنت من 9 ميغابت/الثانية في عام 2017 إلى 109 ميغابت/الثانية في عام 2020، واستكمال توسعة نظام التغطية الداخلية في التوسعة السعودية الثالثة في الحرم المكي، وتحقيق المملكة لقب “الدولة الأكثر تقدمًا” من بين دول العشرين في التنافسية الرقمية بسبب الدعم الحكومي الشامل للتحول الرقمي في المملكة كجزء من رؤية 2030.

وقطاع الحج والعمرة ليس ببعيد عن التمسك بكل ما هو تقني وتكنولوجي ورقمي، ومن شأنه توفير جميع الخدمات وأفضلها من أجل تيسير الأمور وتذليل المعوقات أمام ضيوف بيت الله الحرام، وقد يتساءل البعض عن التحول الرقمي وأهميته في نجاح وتطـوير، قطــــاع الحــــج والعمــــرة لذلك نستطيع أن نعرف التحول الرقمي بأنهــا عمليــات دمــج التكنولوجيــا الرقميــة فــي جميع مجالات، وهو ما يجعل القطاعـــات تتســـارع فـــي استخدام كل تقنيات التحول رقمياً من أجل تحسين العمليات الخدميـة والتشغيلية والعم على تطوير قدرات جديدة ونماذج الأعمال.

من جانبه قال المتحدث الرسمي لوزارة الحج والعمرة، هشام عبدالمنعم سعيد، في تصريحات صحفية سابقة: إن  الطموح يصل إلى إبهار ضيف الرحمن في رحلته بالمملكة منذ أن يفكر بأداء المناسك وحتى عودته سالماً إلى بلاده، من خلال منظومة الأعمال الإبداعية والابتكارية في مجال الحج والعمرة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن ضيوف الرحمن هي شريحة تختلف عن أي قادم للمملكة لعدة أسباب منها الثقافة المجتمعية القادم منها والقدسية والاهتمام الجليل، من كل جهة من جهات الدولة، منوهاً إلى أن حجم الابتكار والمشاريع الإبداعية في الحج لا تقبل التجارب التي قد تؤثر على منظومة التفويج من حيث التوقيت والتقيد بالحدود الجغرافية، مؤكداً أن المملكة بقيادتها ومواطنيها أثبتوا المقدرة والتميز في التعامل مع الحركة والخصوصية المكانية والزمانية، مبيناً أن الهدف من الجلسات وإتاحة المجال للابتكار والإبداع في الحج والعمرة ستخلق فكرة ذهنية إيجابية لا تنسى لدى الحاج في كل المشاريع القادمة. 

ومن أهم الخدمات الرقمية المتميزة تتمثل في “بطاقة الحج” والتي وتحتوي على المعلومات الشخصية والطبية والسكنية للحاج، وتتميز كونها تساعد الحاج في إرشاده إلى سكنه في المشاعر والتحكم بالدخول إليه وإلى المرافق المختلفة، بالإضافة إلى دورها المهم في الحد من الحج غير النظامي، كما أنها تعمل مثل بطاقة الشعائر عن طريق تقنية اتصال المجال القريب NFC التي تمكِّن من قراءة البطاقة عن طريق أجهزة الخدمة الذاتية KIOSK المنتشرة في المشاعر المقدسة.

كذلك سوار الحاج الذكي “نسك”، الذي يتيح خدمات عدّة تشمل توفير كامل المعلومات حول الحاج، والحالة الصحية مثل “محصّن، محصّن جرعة أولى، محصّن متعافٍ”، كما يتيح متابعة ورصد بيانات الحالة الصحية المتعلقة بقياس نسبة أوكسجين الدم ونبضات القلب، وخدمات طلب المساعدة الأمنية أو الطبية الطارئة.

وبدورها دشنت رئاسة شؤون الحرمين، تطبيق “تنقل”، الذي يعمل بكل يسر على حجز العربات إلكترونياً في المسجد الحرام، ليوفر لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة من الحجاج سهولة التنقل، كما أنه يتيح عملية شراء التذاكر إلكترونياً والحجز المسبق، وذلك بهدف تقليل التزاحم على نقاط بيع التذاكر وتسليم العربات، هناك أيضاً تطبيق “المقصد”، الذي يتيح للحاج البحث عن أي موقع داخل المسجد الحرام، عبر نظام الملاحة الإلكتروني الذى يحدد موقع حامل الهاتف المحمول، ليتم إرشاده إلى مقصده داخل المسجد، وخارجه بالربط بنظام التحديد العالمي GPS.

وتسهيلاً لأداء المناسك وتعريف الحجاج على المشاعر المقدسة، دشنت وزارة الحج والعمرة تطبيق “مناسكنا” الذي يقدم مجموعة من الخدمات على الأجهزة الذكية، التي يحتاجها الحجاج في رحلة أداء الفريضة، ويدعم بـ 7 لغات، تتمثل في  العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الأردو، التركية، الملايو والبنغالية، ويتيح خصائص عدة، كخرائط مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة.

كما أطلقت وزارة الشؤون الإسلامية أيضاً، مشروع التعليم الافتراضي لمناسك الحج والعمرة، بتقنية الواقع الافتراضي، حيث نجحت في تقديم  تقنية “المسار الإلكتروني” لحجاج الداخل لحج هذا العام، وهناك التسليم الإلكتروني لمخيمات إسكان الحجاج بالمشاعر المقدسة، والربط الإلكتروني مع الجهات المعنية لمتابعة بلاغات وأعطال المخيمات.

وأطلقت الرئاسة العامة لشؤون الحرمين، “الروبوت الذكي” الذي يستخدم للتعقيم والوقاية البيئية في الأماكن المغلقة، وخدمة الواي فاي التجريبية في عدد من المواقع داخل المسجد الحرام وساحاته.

كما أعلنت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، في وقت سابق عن توفير عدد (11) روبوتات للتعقيم داخل المسجد الحرام, وذلك ضمن مبادرة أمارة منطقة مكة المكرمة كيف نكون قدوة في العالم الافتراضي، وتعمل الربوتات بنظام تحكم آلي مبرمج على خريطة مسبقة، وعلى (6) مستويات مما يحسن سلامة الجو الصحي البيئي وتحليل متطلبات التعقيم بذكاء، وفقاً لسيناريوهات الاستخدام، ومسار التعقيم، والمدة المخططة بشكل مستقل لتغطية كاملة للفضاء البيئي.

كما أن الربوتات حاصلة على براءة اختراع SLAM مع وحدة الانحلال عالية الأداء على خاصية الإنذار المبكر مع البث الصوتي في الوقت المطلوب، وتمتلك خاصية الشحن بالبطارية، ويعمل الربوت الواحد من (5-8) ساعات من دون تدخل بشري، ويسع الجهاز (23.8) لتر، يستهلك منها لترين كل ساعة، للقضاء على ‏البكتيريا في مساحة (600) متر مربع كل جولة، ويبلغ حجم جزيئات الضباب الجاف المستخدم في عملية التعقيم من (5-15) مايكرومتر، ومن المميزات زاوية الكشف الأمامية التي تصل إلى (192.64) درجة، ويتجاوز مدى كشف العوائق الأمامية (10) أمتار، ويحمل الجهاز كاميرا تحتوي على رادار عالي الجودة لرسم الخرائط. علماً بأن جهاز الروبوت الذكي قد حصل على شهادات عالمية ومنها شهادة اعتماد الجودة الأوروبية CE ويأتي نظام التعقيم الآلي لحماية المعتمرين والمصلين من فايروس كورونا والقضاء على الأوبئة كافة.

وفي شهر مارس الماضي، انطلق المعرض المصاحب لـ”الملتقى العلمي الـ21 للحج والعمرة والزيارة” لكي يكون منصّة تجمع العديد من الجهات الحكومية والشركات المتخصصة للتعريف بأحدث خدماتها في مجال خدمات الحج والعمرة، وجهودها في تقديم الحلول المبتكرة التي تجسّد الاستفادة المثلى من التحوّل الرقمي، واستخدام التقنية للارتقاء بمنظومة الأعمال، حيث شكّل المعرض الذي يأتي ضمن أعمال الملتقى المقام بمركز الملك سلمان بن عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات بالمدينة المنورة، منصّة كبرى لأكثر من 40 جهة تحت سقف واحد؛ للتعريف بخدماتها في المجالات التعليمية والبحثية والإسكان والصحة والضيافة والنقل والطيران والاتصالات والبنوك والخدمات المالية وخدمات التجزئة والإلكترونيات ومجال الهندسة والبناء. وغيرها من المجالات؛ التي من شأنها تقديم أفضل وأرقى الخدمات لضيوف الرحمن،  حيث تقدّم الجهات المشاركة أحدث الحلول التقنية المبتكرة التي تسهم في تيسير رحلة الحج والعمرة من خلال الاستخدام الأمثل للتجارب والابتكارات والحلول المستدامة، والاستفادة من تقنيات التحوّل الرقمي وأنظمة المحاكاة والذكاء الاصطناعي والرقمنة والنظم الذكية، والتطبيقات المبتكرة والبلوك تشين وإنترنت الأشياء والمركبات الذكية، وأحدث النظم التقنية لتطوير الخدمات في مختلف مجالات الحياة، وتسخيرها ضمن جهود ارتقاء خدمات الحج والعمرة.

وفي فعاليات مؤتمر التحول الرقمي للقطاع غير الربحي بمنطقة مكة المكرمة، الذي عقد مؤخراً، تحت رعاية مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل, شاركت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ممثلة بوكالة شؤون المعارض والمتاحف بجناح يستعرض الجهود والخدمات التقنية الذكية التي تقدمها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لزوار وقاصدي الحرمين الشريفين.

ومن جانبه أكد سعادة وكيل الرئيس العام لشؤون المعارض والمتاحف المهندس ماهر بن منسي الزهراني،في تصريحات سابقة أن الرئاسة تشارك في المعرض لنقل الصورة المشرقة للجهود والخدمات التقنية التي تقدمها القيادة الرشيدة -حفظها الله-, في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، لافتاً إلى أن المعرض يستعرض أبرز الخدمات التقنية التي تقدمها الرئاسة لضيوف بيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم, ومنها روبوتات الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الإلكترونية الخاصة بالرئاسة وهي تطبيق الحرمين, ومنصة منارة الحرمين الشريفين, وتطبيق معتمرون, وتطبيق زائرون, وتطبيق لوامع الأذكار, وتطبيق منجز، فضلا عن جهاز مصحف الحرمين الشريفين الإلكتروني للمكفوفين, والذي يساعدهم على الوصول إلى الصفحات والسور والأجزاء بسرعة وسهولة, وكذلك استعرض جناح الرئاسة أبرز الخدمات الإلكترونية والذكية النسائية المقدمة لقاصدات الحرمين الشريفين.

يذكر أن مشاركة الرئاسة في مؤتمر التحول الرقمي للقطاع غير الربحي بمنطقة مكة المكرمة تأتي ضمن خطة متكاملة لمواكبة التحول الرقمي وفق رؤية المملكة العربية السعودية 2030.